الکتاب
«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِینٍ – ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّکِینٍ – ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ».(1)
«وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإنسَانِ مِن طِینٍ – ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِینٍ – ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِ وَ جَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَ الْأَفْئدَةَ قَلِیلاً مَّا تَشْکُرُونَ».(2)
الحدیث
1.الإمام علیّ علیه السلام:
إذا نَمَتِ(3) النُّطفَةُ أربَعَةَ أشهُرٍ، بُعِثَ إلَیها مَلَکٌ فَنَفَخَ فیهَا الرّوحَ فِی الظُّلُماتِ الثَّلاثِ، فَذلِکَ قَولُهُ: «ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ» یَعنی نَفَخَ الرّوحَ فیهِ.(4)
2.الإمام الباقر علیه السلام ـ فی قَولِهِ تَعالى: «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً»: فَهُوَ نَفخُ الرّوحِ فیهِ.(5)
3.الإمام الصادق علیه السلام ـ لَمّا سُئِلَ عَن قَولِهِ تعالى: «وَ نَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِ» مِن قُدرَتِهِ.(6)
4.الإمام علیّ علیه السلام ـ فی صِفَةِ خَلقِ آدَمَ علیه السلام ـ: ثُمَّ جَمَعَ سُبحانَهُ مِن حَزنِ الأَرضِ وسَهلِها، وعَذبِها وسَبخِها، تُربَةً سَنَّها بِالماءِ حَتّى خَلَصَت… ثُمَّ نَفَخَ فیها مِن روحِهِ فَمَثُلَت إنسانا ذا أذهانٍ یُجیلُها(7)، وفِکَرٍ یَتَصَرَّفُ بِها، وجَوارِحَ یَختَدِمُها، وأدَواتٍ یُقَلِّبُها، ومَعرِفَةٍ یَفرُقُ بِها بَینَ الحَقِّ وَالباطِلِ، وَالأَذواقِ وَالمَشامِّ، وَالأَلوانِ وَالأَجناسِ، مَعجونا بِطینَةِ الأَلوانِ المُختَلِفَةِ، وَالأَشباهِ المُؤتَلِفَةِ، وَالأَضدادِ المُتَعادِیَةِ، وَالأَخلاطِ المُتَبایِنَةِ، مِنَ الحَرِّ وَالبَردِ، وَالبَلَّةِ وَالجُمودِ.(8)
5. الإمام الصادق علیه السلام: إنَّ الأَرواحَ لا تُمازِجُ البَدَنَ ولا تُواکِلُهُ، وإنَّما هِیَ کِلَلٌ(9) لِلبَدَنِ مُحیطَةٌ بِهِ.(10)
6.عنه علیه السلام: إنَّما صارَ الإِنسانُ یَأکُلُ و یَشرَبُ ویَعمَلُ بِالنّارِ، ویَسمَعُ ویَشُمُّ بِالرّیحِ، ویَجِدُ لَذَّةَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ بِالماءِ، ویَتَحَرَّکُ بِالرّوحِ، فَلَولا أنَّ النّارَ فی مَعِدَتِهِ لَما هَضَمَتِ الطَّعامَ وَالشَّرابَ فی جَوفِهِ. ولَولَا الرّیحُ مَا التَهَبَت نارُ المَعِدَةِ ولا خَرَجَ الثُفلُ(11) مِن بَطنِهِ، ولَولَا الرّوحُ لا جاءَ ولا ذَهَبَ، ولَو لا بَردُ الماءِ لَأَحرَقَتهُ نارُ المَعِدَةِ، ولَولَا النّورُ ما أبصَرَ ولا عَقَلَ، وَالطّینُ صورَتُهُ، وَالعَظمُ فی جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ الشَّجَرِ فِی الأَرضِ، وَالشَّعرُ فی جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ الحَشیشِ فِی الأَرضِ، وَالعَصَبُ فی جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ اللِّحاءِ(12) عَلَى الشَّجَرِ، وَالدَّمُ فی جَسَدِهِ بِمَنزِلَةِ الماءِ فِی الأَرضِ، ولا قِوامَ لِلأَرضِ إلّا بِالماءِ، ولا قِوامَ لِجَسَدِ الإِنسانِ إلّا بِالدَّمِ، وَالمُخُّ دَسَمُ الدَّمِ وزَبَدُهُ. فَهکَذَا الإِنسانُ خُلِقَ مِن شَأنِ الدُّنیا وشَأنِ الآخِرَةِ، فَإِذا جَمَعَ اللّهُ بَینَهُما صارَت حَیاتُهُ فِی الأَرضِ، لِأَنَّهُ نَزَلَ مِن شَأنِ السَّماءِ إلَى الدُّنیا، فَإِذا فَرَّقَ اللّهُ بَینَهُما صارَت تِلکَ الفُرقَةُ المَوتَ، یُرَدُّ شَأنُ الآخِرَةِ إلَى السَّماءِ. فَالحَیاةُ فِی الأَرضِ وَالمَوتُ فِی السَّماءِ، وذلِکَ أنَّهُ یُفَرَّقُ بَینَ الرّوحِ وَالجَسَدِ، فَرُدَّتِ الرّوحُ وَالنّورُ إلَى القُدرَةِ الاُولى، وتُرِکَ الجَسَدُ لِأَنَّهُ مِن شَأنِ الدُّنیا.(13)
7.عنه علیه السلام: عِرفانُ المَرءِ نَفسَهُ أن یَعرِفَها بِأَربَعِ طَبائِعَ، وأربَعِ دَعائِمَ، وأربَعَةِ أرکانٍ؛ فَطَبایِعُهُ: الدَّمُ وَالمِرَّةُ وَالریحُ وَالبَلغَمُ. ودَعائِمُهُ: العَقلُ، ومِنَ العَقلِ الفَهمُ وَالحِفظُ.(14) وأرکانُهُ: النّورُ وَالنّارُ وَالرّوحُ وَالماءُ. وصورَتُهُ طینَتُهُ.(15) فَأَبصَرَ بِالنّورِ، وأکَلَ وشَرِبَ بِالنّارِ، وجامَعَ وتَحَرَّکَ بِالرّوحِ. ووَجَدَ طَعمَ الذَّوقِ وَالطَّعامِ بِالماءِ. فَهذا تَأسیسُ صورَتِهِ.(16)
8.الاحتجاج:
مِن سُؤالِ الزِّندیقِ الَّذی سَأَلَ أبا عَبدِ اللّهِ علیه السلام عَن مَسائِلَ کَثیرَةٍ، أن قالَ:… أخبِرنی عَنِ السِّراجِ إذَا انطَفَأَ أینَ یَذهَبُ نورُهُ؟
قالَ علیه السلام: یَذهَبُ فَلا یَعودُ. قالَ: فَما أنکَرتَ أن یَکونَ الإِنسانُ مِثلَ ذلِکَ، إذا ماتَ وفارَقَ الرّوحُ البَدَنَ، لَم یَرجِع إلَیهِ أبَداً کَما لا یَرجِعُ ضَوءُ السِّراجِ إلَیهِ أبَداً إذَا انطَفَأَ؟
قالَ: لَم تُصِبِ القِیاسَ، إنَّ النّارَ فِی الأَجسامِ کامِنَةٌ، وَالأَجسامُ قائِمَةٌ بِأَعیانِها کَالحَجَرِ وَالحَدیدِ، فَإِذا ضُرِبَ أحَدُهُما بِالآخَرِ، سَطَعَت مِن بَینِهِما نارٌ، یُقتَبَسُ مِنها سِراجٌ لَهُ ضَوءٌ، فَالنّارُ ثابِتَةٌ فی أجسامِها، وَالضَّوءُ ذاهِبٌ، وَالرّوحُ: جِسمٌ رَقیقٌ، قَد اُلبِسَ قالِبا کَثیفا، ولَیسَ بِمَنزِلَةِ السِّراجِ الَّذی ذَکَرتَ، إنَّ الَّذی خَلَقَ فِی الرَّحِمِ جَنیناً مِن ماءٍ صافٍ، ورَکَّبَ فیهِ ضُروباً مُختَلِفَةً: مِن عُروقٍ، وعَصَبٍ وأسنانٍ، وشَعرٍ، وعِظامٍ، وغَیرِ ذلِکَ، هُوَ یُحییهِ بَعدَ مَوتِهِ ویُعیدُهُ بَعدَ فَنائِهِ.(17)
1) المؤمنون: 12 ـ 14.
2) السجدة: 7 ـ 9.
3) فی بحارالأنوار: «إذا تَمَّت».
4) الدرّ المنثور: ج 6 ص 93 نقلاً عن ابن أبی حاتم؛ بحارالأنوار: ج 60 ص 383 ح 110.
5) تفسیر القمّی: ج 2 ص 91 عن أبی الجارود، بحارالأنوار: ج 60 ص 369 ح 75.
6) بصائر الدرجات: ص 462 ح 8، بحارالأنوار: ج 25 ص 69 ح 53.
7) جالَ: أی دارَ (النهایة: ج 1 ص 317 «جول»).
8) نهج البلاغة: الخطبة 1، بحارالأنوار: ج 11 ص 122 ح 56.
9) الکِلَّةُ: السِّترُ الرقیق یخاط کالبیت یُتَوقّى فیه من البَقّ (لسان العرب: ج 11 ص 595 «کلل»).
10) مختصر بصائر الدرجات: ص 3، بصائر الدرجات: ص 463 ح 12 کلاهما عن المفضّل بن عمر، بحارالأنوار: ج 61 ص 40 ح 11.
11) الثُّفلُ: حُثالةُ الشیء، وما سَفَلَ من کلِّ شیء، والمُراد: النجاسة (مجمع البحرین: ج 1 ص 243 «ثفل»).
12) لِحاءُ الشجرة: قِشرُها (النهایة: ج 4 ص 243 «لحا»).
13) تحف العقول: ص 354، علل الشرائع: ص 107 ح 5 عن إسماعیل بن أبی زیاد السکونی نحوه، بحارالأنوار: ج 61 ص 295 ح 6.
14) هکذا فی المصدر؛ لم یطابق المعدودُ العددَ، وفی علل الشرائع: «ومن العقل: الفطنة والفهم والحفظ والعلم».
15) لا توجد عبارة: «وصورته طینته» فی علل الشرائع.
16) تحف العقول: ص 354، علل الشرائع: ص 108 ح 6 نحوه، بحارالأنوار: ج 61 ص 302 ح 8.
17) الاحتجاج: ج 2 ص 212 و 243 ح 223، بحارالأنوار: ج 10 ص 184 ح 2.