27. رسول الله صلی الله علیه و آله: لَو عَلِمَ المَخلوقُ مِقدارَ یَومِهِ لَضاقَت عَلَیهِ بِرُحبِها ولَم یَنفَعهُ فیها قَومٌ ولا خَفضٌ(1)، ولکِنَّهُ عُمِّیَ عَلَیهِ الأَجَلُ، ومُدَّ لَهُ فِی الأَمَلِ.(2)
28. الإمام علیّ علیه السلام – فِی التَّذکیرِ بِنِعَمِ اللهِ عز و جل -: جَعَلَ لَکُم أسماعاً لِتَعِیَ ما عَناها(3)، وأبصارا لِتَجلُوَ عَن عَشاها، وأشلاءً جامِعَةً لِأَعضائِها مُلائِمَةً لِأَحنائِها(4) فی تَرکیبِ صُوَرِها ومُدَدِ عُمُرِها، بِأَبدانٍ قائِمَةٍ بِأَرفاقِها(5)، وقُلوبٍ رائِدَةٍ لِأَرزاقِها فی مُجَلِّلاتِ نِعَمِهِ، وموجِباتِ مِنَنِهِ، وحَواجِزِ عافِیَتِهِ، وقَدَّرَ لَکُم أعماراً سَتَرَها عَنکُم.(6)
29. الإمام الصادق علیه السلام – لِلمُفَضَّلِ بنِ عُمَرَ -: تَأمَّلِ الآنَ یا مُفَضَّلُ، ما سُتِرَ عَنِ الإِنسانِ عِلمُهُ مِن مُدَّةِ حَیاتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَو عَرَفَ مِقدارَ عُمُرِهِ وکانَ قَصیرَ العُمُرِ لَم یَتَهَنَّأ بِالعَیشِ مَعَ تَرَقُّبِ المَوتِ وتَوَقُّعِهِ لِوَقتٍ قَد عَرَفَهُ، بَل کانَ یَکونُ بِمَنزِلَةِ مَن قَد فَنى مالُهُ أو قارَبَ الفَناءَ، فَقَدِ استَشعَرَ الفَقرَ وَالوَجَلَ مِن فَناءِ مالِهِ وخَوفِ الفَقرِ، عَلى أنَّ الَّذی یَدخُلُ عَلَى الإِنسانِ مِن فَناءِ العُمُرِ أعظَمُ مِمّا یَدخُلُ عَلَیهِ مِن فَناءِ المالِ؛ لِأَنَّ مَن یَقِلُّ مالُهُ یَأمُلُ أن یُستَخلَفَ مِنهُ فَیَسکُنُ إلى ذلِکَ، ومَن أیقَنَ بِفَناءِ العُمُرِ استُحِکَمَ عَلَیهِ الیَأسُ. وإن کانَ طَویلَ العُمُرِ، ثُمَّ عَرَفَ ذلِکَ وَثِقَ بِالبَقاءِ، وَانهَمَکَ فِی اللَّذّاتِ وَالمَعاصی، وعَمِلَ عَلى أنَّهُ یَبلُغُ مِن ذلِکَ شَهوَتَهُ، ثُمَّ یَتوبُ فی آخِرِ عُمُرِهِ….
فَإِن قُلتَ: وها هُوَ الآنَ قَد سُتِرَ عَنهُ مِقدارُ حَیاتِهِ، وصارَ یَتَرَقَّبُ المَوتَ فی کُلِّ ساعَةٍ یُقارِفُ الفَواحِشَ ویَنتَهِکُ المَحارِمَ!
قُلنا: إنَّ وَجهَ التَّدبیرِ فی هذَا البابِ هُوَ الَّذی جَرى عَلَیهِ الأَمرُ فیهِ، فَإِن کانَ الإِنسانُ مَعَ ذلِکَ لا یَرعَوی(7) ولا یَنصَرِفُ عَنِ المَساوِئ فَإِنَّما ذلِکَ مِن مَرَحِهِ ومِن قَساوَةِ قَلبِهِ، لا مِن خَطَأٍ فِی التَّدبیرِ.(8)
1) الخَفْض: لِینُ العیش وسعتُه (لسان العرب: ج 7 ص 145 «خفض»).
2) تاریخ المدینة: ج 2 ص 558 عن الشعبی.
3) یقال: عُنِیت بحاجتک: أی اهتممتُ بها واشتغلت (النهایة: ج 3 ص 314 «عنا»).
4) أحنائها: أی معاطفها (النهایة: ج 1 ص 455 «حنا»).
5) الرِّفق – بالکسر -: ما استعین به (القاموس المحیط: ج 3 ص 236 «رفق»). والأرفاق – على هذا – عبارة عن الأعضاء وسائر ما یستعین به الإنسان (بحار الأنوار: ج 60 ص 350).
6) نهج البلاغة: الخطبة 83، بحار الأنوار: ج 60 ص 349 ح 35.
7) الارعِواء: الندم على الشیء والانصراف عنه والترک له (لسان العرب: ج 14 ص 328 «رعی»).
8) بحار الأنوار: ج 3 ص 83 نقلاً عن توحید المفضّل.