11. تحف العقول – فی ذِکرِ ما وَرَدَ عَنِ الإِمامِ الصّادِقِ علیه السلام -: سَأَلَهُ سائِلٌ، فَقالَ: کَم جِهاتُ مَعایِشِ العِبادِ الَّتی فیهَا الاِکتِسابُ أوِ التَّعامُلُ بَینَهُم، ووُجوهُ النَّفَقاتِ؟ فَقالَ علیه السلام:
جَمیعُ المَعایِشِ کُلِّها مِن وُجوهِ المُعامَلاتِ فیما بَینَهُم ممّا یَکونُ لَهُم فیهِ المَکاسِبُ أربَعُ جِهاتٍ مِنَ المُعامَلاتِ.
فَقالَ لَهُ: أ کُلُّ هؤُلاءِ الأَربَعَةِ الأَجناسِ حَلالٌ، أو کُلُّها حَرامٌ، أو بَعضُها حَلالٌ وبَعضُها حَرامٌ؟
فَقالَ علیه السلام: قَد یَکونُ فی هؤلاءِ الأَجناسِ الأَربَعَةِ حَلالٌ مِن جِهَةٍ حَرامٌ مِن جِهَةٍ، وهذِهِ الأَجناسُ مُسَمَّیاتٌ مَعروفاتُ الجِهاتِ.
فَأَوَّلُ هذِهِ الجِهاتِ الأَربَعَةِ الوِلایَةُ وتَولِیَةُ بَعضِهِم عَلى بَعضٍ؛ فَالأَوَّلُ وِلایَةُ الوُلاةِ، ووُلاةِ الوُلاةِ إلى أدناهُم باباً مِن أبوابِ الوِلایَةِ عَلى مَن هُوَ والٍ عَلَیهِ، ثُمَّ التِّجارَةُ فی جَمیعِ البَیعِ والشِّراءِ بَعضُهُم مِن بَعضٍ، ثُمَّ الصَّناعاتُ فی جَمیعِ صُنوفِها، ثُمَّ الإِجاراتُ فی کُلِّ ما یُحتاجُ إلَیهِ مِنَ الإِجاراتِ… وأمّا تَفسیرُ الإجاراتِ: فَإِجارَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ أو ما یَملِکُ أو یَلی أمرَهُ مِن قَرابَتِهِ أو دابَّتِهِ أو ثَوبِهِ بِوَجهِ الحَلالِ مِن جِهاتِ الإِجاراتِ، أن یُؤجِرَ نَفسَهُ أو دارَهُ أو أرضَهُ أو شَیئا یَملِکُهُ فیما یُنتَفَعُ بِهِ مِن وُجوهِ المَنافِعِ، أوِ العَمَلِ بِنَفسِهِ ووَلَدِهِ ومَملوکِهِ أو أجیرِهِ مِن غَیرِ أن یَکونَ وَکیلاً لِلوالی أو والِیا لِلوالی، فَلا بَأسَ أن یَکونَ أجیرا یُؤجِرَ نَفسَهُ أو وَلَدَهُ أو قَرابَتَهُ أو مِلکَهُ أو وَکیلَهُ فی إجارَتِهِ؛ لِأَنَّهُم وُکَلاءُ الأَجیرِ مِن عِندِهِ لَیسَ هُم بِوُلاةِ الوالی، نَظیرُ الحَمّالِ الَّذی یَحمِلُ شَیئا بِشَیءٍ مَعلومٍ إلى مَوضِعٍ مَعلومٍ، فَیَحمِلُ ذلِکَ الشَّیءَ الَّذی یَجوزُ لَهُ حَملُهُ بِنَفسِهِ أو بِمِلکِهِ أو دابَّتِهِ، أو یُؤاجِرُ نَفسَهُ فی عَمَلٍ یَعمَلُ ذلِکَ العَمَلَ بِنَفسِهِ أو بِمَملوکِهِ أو قَرابَتِهِ أو بِأَجیرٍ مِن قِبَلِهِ. فَهذِهِ وُجوهٌ مِن وُجوهِ الإِجاراتِ حَلالٌ لِمَن کانَ مِنَ النّاسِ مَلِکا أو سوقَةً(1) أو کافِرا أو مُؤمِنا، فَحَلالٌ إجارَتُهُ وحَلالٌ کَسبُهُ مِن هذِهِ الوُجوهِ.
فَأَمّا وُجوهُ الحَرامِ مِن وُجوهِ الإِجارَةِ نَظیرُ أن یُؤاجِرَ نَفسَهُ عَلى حَملِ ما یَحرُمُ عَلَیهِ أکلُهُ أو شُربُهُ أو لُبسُهُ، أو یُؤاجِرَ نَفسَهُ فی صَنعَةِ ذلِکَ الشَّیءِ أو حِفظِهِ أو لُبسِهِ، أو یُؤاجِرَ نَفسَهُ فی هَدمِ المَساجِدِ ضِرارا أو قَتلِ النَّفسِ بِغَیرِ حِلٍّ، أو حَملِ التَّصاویرِ وَالأَصنامِ وَالمَزامیرِ وَالبَرابِطِ(2) وَالخَمرِ وَالخَنازیرِ وَالمَیتَةِ وَالدَّمِ، أو شَیءٍ مِن وُجوهِ الفَسادِ الَّذی کانَ مُحَرَّما عَلَیهِ مِن غَیرِ جِهَةِ الإِجارَةِ فیهِ، وکُلُّ أمرٍ مَنهِیٍّ عَنهُ مِن جِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ فَمُحَرَّمٌ عَلَى الإِنسانِ إِجارَةُ نَفسِهِ فیهِ أو لَهُ أو شَیءٍ مِنهُ أو لَهُ إلّا لِمَنفَعَةِ مَنِ استَأجَرتَهُ؛ کَالَّذی یَستَأجِرُ الأَجیرَ یَحمِلُ لَهُ المَیتَةَ یُنجیها(3) عَن أذاهُ أو أذى غَیرِهِ وما أشبَهَ ذلِکَ.
وَالفَرقُ بَینَ مَعنَى الوِلایَةِ وَالإِجارَةِ – وإن کانَ کِلاهُما یَعمَلانِ بِأَجرٍ – أنَّ مَعنَى الوِلایَةِ أن یَلِیَ الإِنسانُ لِوالِی الوُلاةِ أو لِوُلاةِ الوُلاةِ فَیَلیَ أمرَ غَیرِهِ فِی التَّولِیَةِ عَلَیهِ وتَسلیطِهِ وجَوازِ أمرِهِ ونَهیِهِ وقِیامِهِ مَقامَ الوَلِیِّ إلَى الرَّئیسِ، أو مَقامَ وُکَلائِهِ فی أمرِهِ وتَوکیدِهِ فی مَعونَتِهِ وتَسدیدِ وِلایَتِهِ وإن کانَ أدناهُم وِلایَةً، فَهُوَ والٍ عَلى مَن هُوَ والٍ عَلَیهِ یَجری مَجرَى الوُلاةِ الکِبارِ الَّذینَ یَلونَ وِلایَةَ النّاسِ فی قَتلِهِم مَن قَتَلوا وإظهارِ الجَورِ وَالفَسادِ. وأمّا مَعنَى الإِجارَةِ فَعَلى ما فَسَّرنا مِن إجارَةِ الإِنسانِ نَفسَهُ أو ما یَملِکُهُ مِن قَبلِ أن یُؤاجِرَ لِشَیءٍ مِن غَیرِهِ، فَهُوَ یَملِکُ یَمینَهُ؛ لِأَ نَّهُ [لا](4) یَلی أمرَ نَفسِهِ وأمرَ ما یَملِکُ قَبلَ أن یُؤاجِرَهُ مِمَّن هُوَ آجَرَهُ. وَالوالی لا یَملِکُ مِن اُمورِ النّاسِ شَیئا إلّا بَعدَما یَلی اُمورَهُم ویَملِکُ تَولِیَتَهُم. وکُلُّ مَن آجَرَ نَفسَهُ أو آجَرَ ما یَملِکُ نَفسَهُ أو یَلی أمرَهُ مِن کافِرٍ أو مُؤمِنٍ أو مَلِکٍ أو سوقَةٍ عَلى ما فَسَّرنا مِمّا تَجوزُ الإِجارَةُ فیهِ فَحَلالٌ مُحَلَّلٌ فِعلُهُ وکَسبُهُ.(5)
1) السُّوقة – بالضمّ -: الرعیّة ومَن دون الملک (النهایة: ج 2 ص 424 «سوق»).
2) البَرْبَط: مَلهاة تُشبه العُود، وهو فارسی معرّب (النهایة: ج 1 ص 112 «بربط»).
3) نَجَوتُ عنه کذا: ألقَیته (المحیط فی اللغة: ج 7 ص 189 «نجو»).
4) الظاهر أنّ «لا» هنا زائدة.
5) تحف العقول: ص 331 و333، بحار الأنوار: ج 103 ص 46 ح 11.