27. الإمام علیّ علیه السلام: إنَّ اللهَ لَمّا قَبَضَ نَبِیَّهُ استَأثَرَت عَلَینا قُرَیشٌ بِالأَمرِ ودَفَعَتنا عَن حَقٍّ نَحنُ أحَقُّ بِهِ مِنَ النّاسِ کافَّةً، فَرَأَیتُ أنَّ الصَّبرَ عَلى ذلِکَ أفضَلُ مِن تَفریقِ کَلِمَةِ المُسلِمینَ وسَفکِ دِمائِهِم، وَالنّاسُ حَدیثو عَهدٍ بِالإِسلامِ، وَالدّینُ یُمخَضُ مَخضَ الوَطبِ(1)، یُفسِدُهُ أدنى وَهنٍ، ویَعکِسُهُ أقَلُّ خُلفٍ.(2)
28. عنه علیه السلام – لِبَعضِ أصحابِهِ وقَد سَأَلَهُ: کَیفَ دَفَعَکُم قَومُکُم عَن هذَا المَقامِ وأنتُم أحَقُّ بِهِ؟ -: قَدِ استَعلَمتَ فَاعلَم: أمَّا الِاستِبدادُ عَلَینا بِهذَا المَقامِ ونَحنُ الأَعلَونَ نَسَبا وَالأَشَدّونَ بِرَسولِ اللهِ صلی الله علیه و آله نَوطا(3)، فَإِنَّها کانَت أثَرَةً شَحَّت عَلَیها نُفوسُ قَومٍ وسَخَت عَنها نُفوسُ آخَرینَ، وَالحَکَمُ اللهُ، وَالمَعوَدُ إلَیهِ القِیامَةُ.(4)
29. عنه علیه السلام – فی کِتابِهِ إلى سَهلِ بنِ حُنَیفٍ الأَنصارِیِّ وهُوَ عامِلُهُ عَلَى المَدینَةِ -: أمّا بَعدُ، فَقَد بَلَغَنی أنَّ رِجالاً مِمَّن قِبَلَکَ یَتَسَلَّلونَ إلى مُعاوِیَةَ، فَلا تَأسَف عَلى مایَفوتُکَ مِن عَدَدِهِم ویَذهَبُ عَنکَ مِن مَدَدِهِم، فَکَفى لَهُم غَیّا ولَکَ مِنهُم شافِیا فِرارُهُم مِنَ الهُدى وَالحَقِّ، وإیضاعُهُم(5) إلَى العَمى وَالجَهلِ؛ وإنَّما هُم أهلُ دُنیا مُقبِلونَ عَلَیها ومُهطِعونَ إلَیها، وقَد عَرَفُوا العَدلَ ورَأَوهُ وسَمِعوهُ ووَعَوهُ، وعَلِموا أنَّ النّاسَ عِندَنا فِی الحَقِّ اُسوَةٌ، فَهَرَبوا إلَى الأَثَرَةِ، فَبُعدا لَهُم وسُحقا!(6)
1) المَخْض: تحریک السقاء الذی فیه اللبن لیخرج زُبدُه. والوَطْب: الزِّقّ الذی یکون فیه السَّمن واللبن (النهایة: ج4 ص 307 «مخض» و ج 5 ص 203 «وطب»). والکلام على نحو الاستعارة.
2) شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج 1 ص 308 عن الکلبی؛ بحار الأنوار: ج 32 ص 62 ح 41.
3) النَّوْط: الالتصاق (شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید: ج 9 ص 243).
4) نهج البلاغة: الخطبة 162، المسترشد: ص 371 ح 122 نحوه، بحارالأنوار: ج 38 ص 159 ح 134.
5) وضَعَ البعیرُ وغیرُه: أی أسرعَ فی سیره (الصحاح: ج 3 ص 1300 «وضع»).
6) نهج البلاغة: الکتاب 70، خصائص الأئمّة: ص 113 وفیه ذیله من «فکفى لهم غیّا…»، نثرالدرّ: ج 1 ص 320 کلاهما نحوه، بحار الأنوار: ج 33 ص 521 ح 714.