وقَد یَخرُجُ مِنَ الإِیمانِ بِخَمسِ جِهاتٍ مِنَ الفِعلِ، کُلُّها مُتَشابِهاتٌ مَعروفاتٌ: الکُفرُ، وَالشِّرکُ، وَالضَّلالُ، وَالفِسقُ، ورُکوبُ الکَبائِرِ.
فَمَعنَى الکُفرِ کُلُّ مَعصِیَةٍ عَصَى اللّهَ بِها بِجِهَةِ الجَحدِ وَالإِنکارِ وَالاِستِخفافِ وَالتَّهاوُنِ فی کُلِّ ما دَقَّ وجَلَّ، وفاعِلُهُ کافِرٌ، ومَعناهُ مَعنى کُفرٍ مِن أیِّ مِلَّةٍ کانَ ومِن أیِّ فِرقَةٍ کانَ، بَعدَ أن تَکونَ مِنهُ مَعصِیَةٌ بِهذِهِ الصِّفاتِ فَهُوَ کافِرٌ.
ومَعنَى الشِّرکِ کُلُّ مَعصِیَةٍ عَصَى اللّهَ بِها بِالتَّدَیُّنِ فَهُوَ مُشرِکٌ صَغیرَةً کانَتِ المَعصِیَةُ أو کَبیرَةً، فَفاعِلُها مُشرِکٌ.
ومَعنَى الضَّلالِ الجَهلُ بِالمَفروضِ، وهُوَ أن یَترُکَ کَبیرَةً مِن کبائِرِ الطَّاعَةِ الَّتی لا یَستَحِقُّ العَبدُ الإِیمانَ إلّا بِها بَعدَ وُرودِ البَیانِ فیها وَالاِحتِجاجِ بِها، فَیَکونُ التّارِکُ لَها تارِکاً بِغَیرِ جِهَةِ الإِنکارِ، وَالتَّدَیُّنِ بِإِنکارِها وجُحودِها ولکِن یَکونُ تارِکاً عَلى جِهَةِ التَّوانی وَالإِغفالِ وَالاِشتِغالِ بِغَیرِها، فَهُوَ ضالٌّ مُتَنَکِّبٌ عَن طَریقِ الإِیمانِ، جاهِلٌ بِهِ خارِجٌ مِنهُ، مُستَوجِبٌ لِاسمِ الضَّلالَةِ ومَعناها ما دامَ بِالصِّفَةِ الَّتی وَصَفناهُ بِها، فَإِن کانَ هُوَ الَّذی مالَ بِهَواهُ إلى وَجهٍ مِن وُجوهِ المَعصِیَةِ بِجِهَةِ الجُحودِ وَالاِستِخفافِ وَالتَّهاوُنِ کَفَرَ، وإن هُوَ مالَ بِهَواهُ إلَى التَّدَیُّنِ بِجِهَةِ التَّأویلِ وَالتَّقلیدِ وَالتَّسلیمِ وَالرِّضا بِقَولِ الآباءِ وَالأَسلافِ فَقَد أشرَکَ، وقَلَّما یَلبَثُ الإِنسانُ عَلى ضَلالَةٍ حَتّى یَمیلَ بِهَواهُ إلى بَعضِ ما وَصَفناهُ مِن صِفَتِهِ.
ومَعنَى الفِسقِ فَکُلُّ مَعصِیَةٍ مِنَ المَعاصِی الکِبارِ، فَعَلَها فاعِلٌ أو دَخَلَ فیها داخِلٌ بِجِهَةِ اللَّذَّةِ وَالشَّهوَةِ وَالشَّوقِ الغالِبِ فَهُوَ فِسقٌ، وفاعِلُهُ فاسِقٌ خارِجٌ مِنَ الإِیمانِ بِجِهَةِ الفِسقِ، فَإِن دامَ فی ذلِکَ حَتّى یَدخُلَ فی حَدِّ التَّهاوُنِ وَالاِستِخفافِ، فَقَد وَجَبَ أن یَکونَ بِتَهاوُنِهِ وَاستِخفافِهِ کافِرا.
ومَعنى راکِبِ الکَبائِرِ الَّتی بِها یَکونُ فَسادُ إیمانِهِ، فَهُوَ أن یَکونَ مُنهَمِکا عَلى کَبائِرِ المَعاصی بِغَیرِ جُحودٍ ولا تَدَیُّنٍ ولا لَذَّةٍ ولا شَهوَةٍ، ولکِن مِن جِهَةِ الحَمِیَّةِ وَالغَضَبِ، یُکثِرُ القَذفَ وَالسَّبَّ وَالقَتلَ، وأخذَ الأَموالِ وحَبسَ الحُقوقِ وغَیرَ ذلِکَ مِنَ المَعاصِی الکَبائِرِ الَّتی یَأتیها صاحِبُها بِغَیرِ جِهَةِ اللَّذَّةِ، ومِن ذلِکَ الأَیمانُ الکاذِبَةُ وأخذُ الرِّبا وغَیرُ ذلِکَ، الَّتی یَأتیها مَن أتاها بِغَیرِ استِلذاذٍ، وَالخَمرُ وَالزِّنا وَاللَّهوُ، فَفاعِلُ هذِهِ الأَفعالِ کُلِّها مُفسِدٌ لِلإِیمانِ خارِجٌ مِنهُ، مِن جِهَةِ رُکوبِهِ الکَبیرَةَ عَلى هذِهِ الجِهَةِ، غَیرُ مُشرِکٍ ولا کافِرٍ ولا ضالٍّ، جاهِلٌ عَلى ما وَصَفناهُ مِن جِهَةِ الجَهالَةِ، فَإِن هُوَ مالَ بِهَواهُ إلى أنواعِ ما وَصَفناهُ مِن حَدِّ الفاعِلینَ کانَ مِن صِنفِهِ.(1)
1) تحف العقول: ص 325، بحار الأنوار: ج 68 ص 275 ح 31.