الکتاب
«وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ».(1)
الحدیث
66. الإمام الصادق علیه السلام:
لَمّا باتَ عَلِیٌّ علیه السلام عَلَى الفِراشِ أوحَى اللهُ تَعالى إلى مَلَکَینِ مِن مَلائِکَتِهِ لَم یَکُن فِی المَلائِکَةِ أشَدُّ ائتِلافاً ومُؤاخاةً مِنهُما، فَقالَ: إنّی مُمیتٌ أحدَکُما فَاختارا. قالَ: فَتَدافَعَا المَوتَ بَینَهُما، وآثَرَ کُلُّ واحِدٍ مَنهُمَا البَقاءَ.
فَأَوحَى اللهُ تَعالى إلَیهِما: أینَ أنتُما عَن عَبدِی هذَا الرّاضی بِالمَوتِ، البائِتِ عَلى فِراشِ ابنِ عَمِّهِ یَقیهِ الرَّدى بِنَفسِهِ؟!
أما إنّی قَد عَلِمتُ مِن سَریرَتِهِ أنَّ تَلَفَ نَفسِهِ أحَبُّ إلَیهِ مِن أن تُؤخَذَ شَعرَةٌ مِن شَعرِ ابنِ عَمِّهِ! اِنزِلا إلَیهِ فَاحفَظاهُ وَاکلَاهُ(2) إلَى الصُّبحِ.
فَلَم تَزَل عَینُ المُشرِکینَ تَلحَظُهُ، وَالمَلائِکَةُ الکِرامُ تَحفَظُهُ إلى أن کانَ وَقتُ الصُّبحِ، وهَجَمَ المُشرِکونَ عَلَیهِ لِلقَتلِ، فَأَلقَى اللهُ تَعالى فی قُلوبِهِم – لِما أرادَهُ مِن حَیاتِهِ – أن یوقِظوهُ مِن نَومِهِ، فَقالوا: نُنَبِّهُهُ لِیَرى أنّا ظَفِرنا بِهِ قَبلَ قَتلِهِ، فَلَمّا فَعَلوا ذلِکَ، وَثَبَ إلَیهِم أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام وفی یَدِهِ سَیفُهُ، فَتَوَلَّوا عَنهُ هارِبینَ.
فَقالَ لَهُم أمیرُ المُؤمنِینَ علیه السلام: دَخَلتُم وأنَا نائِمٌ، فَادخُلوا وأنَا مُنتَبِهٌ. فَقالوا: لا حاجَةَ لَنا فیکَ یَابنَ أبی طالِبٍ.(3)
67. مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس – فی بَیانِ فَضائِلِ عَلِیٍّ علیه السلام -:
شَرى عَلِیٌّ علیه السلام نَفسَهُ؛ لَبِسَ ثَوبَ النَّبِیِّ صلی الله علیه و آله ثُمَّ نامَ مَکانَهُ.(4)
68. اُسد الغابة عن أحمد بن محمّد بن إبراهیم الثعلبی المفسّر:
رَأَیتُ فی بَعضِ الکُتُبِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلی الله علیه و آله لَمّا أرادَ الهِجرَةَ خَلَّفَ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیه السلام بِمَکَّةَ لِقَضاءِ دُیونِهِ ورَدِّ الوَدائِعِ الَّتی کانَتِ عندَهُ، وأمَرَهُ لَیلَةَ خَرَجَ إلَى الغارِ وقَد أحاطَ المُشرِکونَ بِالدّارِ أن یَنامَ عَلى فِراشِهِ، وقالَ لَهُ: اِتَّشِح بِبُردِیَ الحَضرَمِیِّ الأَخضَرِ؛ فَإِنَّهُ لا یَخلُصُ إلَیکَ(5) مِنهُم مَکروهٌ إن شاءَ اللهُ تَعالى. فَفَعَلَ ذلِکَ.
فَأَوحَى اللهُ إلى جِبریلَ ومیکائیلَ علیهماالسلام: إنّی آخَیتُ بَینَکُما وجَعَلتُ عُمُرَ أحدِکُما أطوَلَ مِن عُمُرِ الآخَرِ، فَأَیُّکُما یُؤثِرُ صاحِبَهُ بِالحَیاةِ؟ فَاختارا – کِلاهُما – الحَیاةَ. فَأَوحَى اللهُ عز و جل إلَیهِما: أفَلا کُنتُما مِثلَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ؟! آخَیتُ بَینَهُ وَبینَ نَبِیّی مُحَمَّدٍ، فَباتَ عَلى فِراشِهِ یَفدیهِ بِنَفسِهِ ویُؤثِرُهُ بِالحَیاةِ! اِهبِطا إلَى الأَرضِ فَاحفَظاهُ مِن عَدُوِّهِ.
فَنَزَلا، فَکانَ جِبریلُ عِندَ رَأسِ عَلِیٍّ علیه السلام، ومیکائیلُ عِندَ رِجلَیهِ، وجِبریلُ یُنادی: بَخٍ بَخٍ! مَن مِثلُکَ یَابنَ أبی طالِبٍ، یُباهِی اللهُ عز و جل بِهِ المَلائِکَةَ؟!
فَأَنزَلَ اللهُ عز و جل عَلى رَسولِهِ وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى المَدینَةِ فی شَأنِ عَلِیٍّ علیه السلام: «وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ».(6)
1) البقرة: 207.
2) یقال: کلأه الله ُ کِلاءةً: أی حفِظه وحرسه (الصحاح: ج 1 ص 69 «کلأ»).
3) کنزالفوائد: ج 2 ص 55.
4) مسند ابن حنبل: ج 1 ص 709 ح 3062، المستدرک على الصحیحین: ج 3 ص 5 ح 4263،خصائص أمیر المؤمنین للنسائی: ص 72 ح 23، تفسیر العیّاشی: ج 1 ص 101 ح 293، العمدة: ص 86 ح 102،بحار الأنوار: ج 36 ص 41 ح 4.
5) خَلَص إلیه: وصل (القاموس المحیط: ج 2 ص 301 «خلص»).
6) اُسد الغابة: ج 4 ص 98 الرقم 3789، تذکرة الخواصّ: ص 35 عن ابن عبّاس، مجمع البیان: ج 2 ص 535، العمدة: ص 239 ح 367، الطرائف: ص 37 کلّها نحوه، بحار الأنوار: ج 19 ص 39 ح 6.