الکتاب
«وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّیِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِیرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً».(1)
الحدیث
66.رسول اللّه صلى الله علیه و آله ـ فی قَولِهِ عَزَّ وجَلَّ: «وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ» ـ:
الکَرامَةُ الأَکلُ بِالأَصابِعِ.(2)
67. رسول الله صلی الله علیه و آله: «وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ» یَقولُ: فَضَّلنا بَنی آدَمَ عَلى سائِرِ الخَلقِ «وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» یَقولُ: عَلَى الرَّطبِ وَالیابِسِ. «وَ رَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّیِّبَاتِ» یَقولُ: مِن طَیِّباتِ الثِّمارِ کُلِّها «وَ فَضَّلْنَاهُمْ» یَقولُ: لَیسَ مِن دابَّةٍ ولا طائِرٍ إلّا هِیَ تَأکُلُ وتَشرَبُ بِفیها، لا تَرفَعُ بِیَدِها إلى فیها طَعاما ولا شَرابا غَیرُ ابنِ آدَمَ فَإِنَّهُ یَرفَعُ إلى فیهِ بِیَدِهِ طَعامَهُ، فَهذا مِنَ التَّفضیلِ.(3)
68.الإمام الباقر علیه السلام ـ فی قَولِهِ تَعالى: «وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى کَثیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضیلاً» خُلِقَ کُلُّ شَیءٍ مُنکَبّاً غَیرَ الإِنسانِ خُلِقَ مُنتَصِبا.(4)
69.الإمام الهادی علیه السلام ـ فی رِسالَتِهِ فِی الرَّدِّ عَلى أهلِ الجَبرِ وَالتَّفویضِ ـ: إنّا نَبدَأُ مِن ذلِکَ بِقَولِ الصّادِقِ علیه السلام: «لا جَبرَ ولا تَفویضَ ولکِن مَنزِلَةٌ بَینَ المَنزِلَتَینِ، وهِیَ صِحَّةُ الخِلقَةِ، وتَخلِیَةُ السَّربِ(5)، وَالمُهلَةُ فِی الوَقتِ، وَالزّادُ مِثلُ الرّاحِلَةِ، وَالسَّبَبُ المُهَیِّجُ لِلفاعِلِ عَلى فِعلِهِ»، فَهذِهِ خَمسَةُ أشیاءَ جَمَعَ بِهَا الصّادِقُ علیه السلام جَوامِعَ الفَضلِ، فَإِذا نَقَصَ العَبدُ مِنها خَلَّةً کانَ العَمَلُ عَنهُ مَطروحا بِحَسَبِهِ.
فَأَخبَرَ الصّادِقُ علیه السلام بِأَصلِ ما یَجِبُ عَلَى النّاسِ مِن طَلَبِ مَعرِفَتِهِ،… وأنَا مُفَسِّرُها بِشَواهِدَ عَنِ القُرآنِ وَالبَیانِ إن شاءَ اللّهُ.
تَفسیرُ صِحَّةِ الخِلقَةِ: أمّا قَولُ الصّادِقِ علیه السلام، فَإِنَّ مَعناهُ کَمالُ الخَلقِ لِلإِنسانِ، وکَمالُ الحَواسِّ، وثَباتُ العَقلِ وَالتَّمییزِ، وإطلاقُ اللِّسانِ بِالنُّطقِ، وذلِکَ قَولُ اللّهِ: «وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّیِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِیرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً» فَقَد أخبَرَ عَزَّ وجَلَّ عَن تَفضیلِهِ بَنی آدَمَ عَلى سائِرِ خَلقِهِ، مِنَ البَهائِمِ وَالسِّباعِ ودَوابِّ البَحرِ وَالطَّیرِ، وکُلِّ ذی حَرَکَةٍ تُدرِکُهُ حَواسُّ بَنی آدَمَ بِتَمییزِ العَقلِ وَالنُّطقِ، وذلِکَ قَولُهُ: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ»(6)وقَولُهُ: «یَاأَیُّهَا الْإنسَانُ مَا غَرَّکَ بِرَبِّکَ الْکَرِیمِ – الَّذِى خَلَقَکَ فَسَوَّاکَ فَعَدَلَکَ – فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَکَّبَکَ»(7) وفی آیاتٍ کَثیرَةٍ، فَأَوَّلُ نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الإِنسانِ صِحَّةُ عَقلِهِ، وتَفضیلُهُ عَلى کَثیرٍ مِن خَلقِهِ بِکَمالِ العَقلِ وتَمییزِ البَیانِ، وذلِکَ أنَّ کُلَّ ذی حَرَکَةٍ عَلى بَسیطِ الأَرضِ هُوَ قائِمٌ بِنَفسِهِ بِحَواسِّهِ، مُستَکمِلٌ فی ذاتِهِ، فَفَضَّلَ بَنی آدَمَ بِالنُّطقِ الَّذی لَیسَ فی غَیرِهِ مِنَ الخَلقِ المُدرِکِ بِالحَواسِّ، فَمِن أجلِ النُّطقِ مَلَّکَ اللّهُ ابنَ آدَمَ غَیرَهُ مِنَ الخَلقِ، حَتّى صارَ آمِراً ناهِیاً، وغَیرُهُ مُسَخَّرٌ لَهُ، کَما قالَ اللّهُ: «کَذَلِکَ سَخَّرَهَا لَکُمْ لِتُکَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاکُمْ»(8) وقالَ: «وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْکُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِیًّا وَ تَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْیَةً تَلْبَسُونَهَا»(9) وقال: «وَ الْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَکُمْ فِیهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْکُلُونَ – وَ لَکُمْ فِیهَا جَمَالٌ حِینَ تُرِیحُونَ وَ حِینَ تَسْرَحُونَ – وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَکُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَکُونُواْ بَالِغِیهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ»(10) فَمِن أجلِ ذلِکَ دَعَا اللّهُ الإِنسانَ إلَى اتِّباعِ أمرِهِ، وإلى طاعَتِهِ بِتَفضیلِهِ إیّاهُ بِاستِواءِ الخَلقِ وکَمالِ النُّطقِ وَالمَعرِفَةِ، بَعدَ أن مَلَّکَهُمُ استِطاعَةَ ما کانَ تَعَبَّدَهُم بِهِ، بِقَولِهِ: «فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُواْ وَ أَطِیعُواْ»(11) وقَولِهِ: «لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»(12) وقَولِهِ: «لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا»(13)و فی آیاتٍ کَثیرَةٍ.
فَإِذا سَلَبَ مِنَ العَبدِ حاسَّةً مِن حَواسِّهِ، رَفَعَ العَمَلَ عَنهُ بِحاسَّتِهِ، کَقَولِهِ: «لَّیْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ»(14) الآیَةَ، فَقَد رَفَعَ عَن کُلِّ مَن کانَ بِهذِهِ الصِّفَةِ الجِهادَ وجَمیعَ الأَعمالِ الَّتی لا یَقومُ [إلّا](15)بِها، وکَذلِکَ أوجَبَ عَلى ذِی الیَسارِ الحَجَّ وَالزَّکاةَ لِما مَلَّکَهُ مِنِ استِطاعَةِ ذلِکَ، ولَم یوجِب عَلَى الفَقیرِ الزَّکاةَ وَالحَجَّ، قَولُهُ: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً»(16)، وقَولُهُ فِی الظِّهارِ: «وَ الَّذِینَ یُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ یَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ» إلى قَولِهِ: «فَمَن لَّمْ یَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّینَ مِسْکِینًا»(17)کُلُّ ذلِکَ دَلیلٌ عَلى أنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالى لَم یُکَلِّف عِبادَهُ إلّا ما مَلَّکَهُمُ استِطاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ، ونَهاهُم عَن مِثلِ ذلِکَ فَهذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ.(18)
70. الإمام علیّ علیه السلام ـ فِی الدّیوانِ المَنسوبِ إلَیهِ ـ:
دَواؤُکَ فیکَ وما تَشعُرُ
وداؤُکَ مِنکَ وما تُبصِرُ
أتَزعُمُ أنَّکَ جِرمٌ صَغیرٌ
وفیکَ انطَوَى العالَمُ الأَکبَرُ
وأنتَ الکِتابُ المُبینُ الَّذی
بِأَحرُفِهِ یَظهَرُ المُضمَرُ
فَلا حاجَةَ لَکَ فی خارِجٍ
یُخَبِّرُ عَنکَ بِما سُطِّرَ(19)
1) الإسراء: 70.
2) الفردوس: ج 4 ص 420 ح 7223، الدرّ المنثور: ج 5 ص 316 نقلاً عن الحاکم فی التاریخ وکلاهما عن جابر.
3) الأمالی للطوسی: ص 489 ح 1072 عن زید بن علی علیه السلام، بحارالأنوار: ج 60 ص 298ح 2.
4) تفسیر العیّاشی: ج 2 ص 302 ح 113 عن جابر، بحارالأنوار: ج 60 ص 300 ح 8.
5) السَّرْبُ: المسلک والطریق (النهایة: ج 2 ص 356 «سرب»).
6) التین: 4.
7) الانفطار: 6 ـ 8.
8) الحجّ: 37.
9) النحل: 14.
10) النحل: 5 ـ 7.
11) التغابن: 16.
12) البقرة: 286.
13) الطلاق: 7.
14) النور: 61.
15) ما بین المعقوفین لم یذکر فی المصدر، وأثبتناه من بحارالأنوار.
16) آل عمران: 97.
17) المجادلة: 3 ـ 4.
18) تحف العقول: ص 460 و 472، بحارالأنوار: ج 5 ص 70 ح 1.
19) الدیوان المنسوب إلى الإمام علی علیه السلام: ص 236 الرقم 158.