348. الکافی عن عبد العزیز القراطیسی: قالَ لی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام: یا عَبدَ العَزیزِ إنَّ الإِیمانَ عَشرُ دَرَجاتٍ بِمَنزِلَةِ السُّلَّمِ یُصعَدُ مِنهُ مِرقاةً(1) بَعدَ مِرقاةٍ، فَلا یَقولَنَّ صاحِبُ الاِثنَینِ لِصاحِبِ الواحِدِ لَستَ عَلى شَیءٍ حَتّى یَنتَهِیَ إلَى العاشِرِ، فَلا تُسقِط مَن هُوَ دونَکَ فَیُسقِطَکَ مَن هُوَ فَوقَکَ، وإذا رَأَیتَ مَن هُوَ أسفَلُ مِنکَ بِدَرَجَةٍ فَارفَعهُ إلَیکَ بِرِفقٍ ولا تَحمِلَنَّ عَلَیهِ ما لا یُطیقُ فَتَکسِرَهُ، فَإِنَّ مَن کَسَرَ مُؤمِنا فَعَلَیهِ جَبرُهُ.(2)
349. الخصال عن عمّار بن أبی الأحوص: قُلتُ لِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام: إنَّ عِندَنا أقواما یَقولونَ بِأَمیرِ المُؤمِنینَ علیه السلام ویُفَضِّلونَهُ عَلَى النّاسِ کُلِّهِم، ولَیسَ یَصِفونَ ما نَصِفُ مِن فَضلِکُم، أنَتَوَلّاهُم؟ فَقالَ لی: نَعَم فِی الجُملَةِ، ألَیسَ عِندَ اللّهِ ما لَم یَکُن عِندَ رَسولِ اللّهِ، ولِرَسولِ اللّهِ عِندَ اللّهِ ما لَیسَ لَنا، وعِندَنا ما لَیسَ عِندَکُم، وعِندَکُم ما لَیسَ عِندَ غَیرِکُم؟ إنَّ اللّهَ تَبارَکَ وتَعالى وَضَعَ الإِسلامَ عَلى سَبعَةِ أسهُمٍ: عَلَى الصَّبرِ وَالصِّدقِ وَالیَقینِ وَالرِّضا وَالوَفاءِ وَالعِلمِ وَالحِلمِ، ثُمَّ قَسَّمَ ذلِکَ بَینَ النّاسِ، فَمَن جَعَلَ فیهِ هذِهِ السَّبعَةَ الأَسهُمِ فَهُوَ کامِلُ الإِیمانِ مُحتَمِلٌ، ثُمَّ قَسَّمَ لِبَعضِ النّاسِ السَّهمَ ولِبَعضٍ السَّهمَینِ ولِبَعضٍ الثَّلاثَةَ الأَسهُمِ ولِبَعضٍ الأَربَعَةَ الأَسهُمِ ولِبَعضٍ الخَمسَةَ الأَسهُمِ ولِبَعضٍ السِّتَّةَ الأَسهُمِ ولِبَعضٍ السَّبعَةَ الأَسهُمِ، فَلا تَحمِلوا عَلى صاحِبِ السَّهمِ سَهمَینِ، ولا عَلى صاحِبِ السَّهمَینِ ثَلاثَةَ أسهُمٍ، ولا عَلى صاحِبِ الثَّلاثَةِ أربَعَةَ أسهُمٍ، ولا عَلى صاحِبِ الأَربَعَةِ خَمسَةَ أسهُمٍ، ولا عَلى صاحِبِ الخَمسَةِ سِتَّةَ أسهُمٍ، ولا عَلى صاحِبِ السِّتَّةِ سَبعَةَ أسهُمٍ، فَتُثقِلوهُم وتُنَفِّروهُم، ولکِن تَرَفَّقوا بِهِم وسَهِّلوا لَهُمُ المَدخَلَ، وسَأَضرِبُ لَکَ مَثَلاً تَعتَبِرُ بِهِ:
إنَّهُ کانَ رَجُلٌ مُسلِمٌ وکانَ لَهُ جارٌ کافِرٌ، وکانَ الکافِرُ یُرافِقُ المُؤمِنَ، فَأَحَبَّ المُؤمِنُ لِلکافِرِ الإِسلامَ ولَم یَزَل یُزَیِّنُ الإِسلامَ ویُحَبِّبُهُ إلَى الکافِرِ حَتّى أسلَمَ، فَغَدا عَلَیهِ المُؤمِنُ فَاستَخرَجَهُ مِن مَنزِلِهِ فَذَهَبَ بِهِ إلَى المَسجِدِ لِیُصَلِّیَ مَعَهُ الفَجرَ فی جَماعَةٍ، فَلَمّا صَلّى قالَ لَهُ: لَو قَعَدنا نَذکُرُ اللّهَ عز و جل حَتّى تَطلُعَ الشَّمسُ، فَقَعَدَ مَعَهُ فَقالَ لَهُ: لَو تَعَلَّمتَ القُرآنَ إلى أن تَزولَ الشَّمسُ وصُمتَ الیَومَ کانَ أفضَلَ، فَقَعَدَ مَعَهُ وصامَ حَتّى صَلَّى الظُّهرَ وَالعَصرَ، فَقالَ: لَو صَبَرتَ حَتّى تُصَلِّیَ المَغرِبَ وَالعِشاءَ الآخِرَةَ کانَ أفضَلَ، فَقَعَدَ مَعَهُ حَتّى صَلَّى المَغرِبَ وَالعِشاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ نَهَضا وقَد بَلَغَ مَجهودَهُ وحُمِلَ عَلَیهِ ما لا یُطیقُ، فَلَمّا کانَ مِنَ الغَدِ غَدا عَلَیهِ وهُوَ یُریدُ بِهِ مِثلَ ما صَنَعَ بِالأَمسِ فَدَقَّ عَلَیهِ بابَهُ ثُمَّ قالَ لَهُ: اُخرُج حَتّى نَذهَبَ إلَى المَسجِدِ، فَأَجابَهُ أنِ انصَرِف عَنّی فَإِنَّ هذا دینٌ شَدیدٌ لا اُطیقُهُ.
فَلا تَخرَقوا بِهِم، أما عَلِمتَ أنَّ إمارَةَ بَنی اُمَیَّةَ کانَت بِالسَّیفِ وَالعَسفِ وَالجَورِ، وأنَّ إمارَتَنا بِالرِّفقِ وَالتَّأَلُّفِ وَالوَقارِ وَالتَّقِیَّةِ وحُسنِ الخُلطَةِ وَالوَرَعِ وَالاِجتِهادِ، فَرَغِّبُوا النّاسَ فی دینِکُم وفیما أنتُم فیهِ.(3)
350. الکافی عن یعقوب بن الضحّاک عن رجل من أصحابنا سرّاج- وکانَ خادِما لِلإِمامِ الصّادِقِ علیه السلام، قالَ-: بَعَثَنی أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام فی حاجَةٍ وهُوَ بِالحیرَةِ(4) أنَا وجَماعَةً مِن مَوالیهِ. قالَ: فَانطَلَقنا فیها، ثُمَّ رَجَعنا مُغتَمّینَ(5)، قالَ: وکانَ فِراشی فِی الحائِرِ الَّذی کُنّا فیهِ نُزولاً، فَجِئتُ وأنَا بِحالٍ(6) فَرَمَیتُ بِنَفسی.
فَبَینا أنَا کَذلِکَ إذا أنَا بِأَبی عَبدِ اللّهِ علیه السلام قَد أقبَلَ. قالَ: فَقالَ: قَد أتَیناکَ- أو قالَ: جِئناکَ- فَاستَوَیتُ جالِسا، وجَلَسَ عَلى صَدرِ فِراشی، فَسَأَلَنی عَمّا بَعَثَنی لَهُ فَأَخبَرتُهُ، فَحَمِدَ اللّهَ. ثُمَّ جَرى ذِکرُ قَومٍ، فَقُلتُ: جُعِلتُ فِداکَ إنّا نَبرَأُ مِنهُم، إنَّهُم لا یَقولونَ ما نَقولُ!
قالَ: فَقالَ: یَتَوَلَّونا ولا یَقولونَ ما تَقولونَ تَبرَؤونَ مِنهُم؟! قالَ: قُلتُ: نَعَم، قالَ: فَهُوَ ذا عِندَنا ما لَیسَ عِندَکُم، فَیَنبَغی لَنا أن نَبرَأَ مِنکُم؟ قالَ: قُلتُ: لا، جُعِلتُ فِداکَ، قالَ: وهُوَ ذا عِندَ اللّهِ ما لَیسَ عِندَنا أفَتَراهُ اطَّرَحَنا؟ قالَ: قُلتُ: لا وَاللّهِ جُعِلتُ فِداکَ، ما نَفعَلُ؟
قالَ: فَتَوَلَّوهُم ولا تَبرَؤوا مِنهُم، إنَّ مِنَ المُسلِمینَ مَن لَهُ سَهمٌ، ومِنهُم مَن لَهُ سَهمانِ، ومِنهُم مَن لَهُ ثَلاثَةُ أسهُمٍ، ومِنهُم مَن لَهُ أربَعَةُ أسهُمٍ، ومِنهُم مَن لَهُ خَمسَةُ أسهُمٍ، ومِنهُم مَن لَهُ سِتَّةُ أسهُمٍ، ومِنهُم مَن لَهُ سَبعَةُ أسهُمٍ، فَلَیسَ یَنبَغی أن یُحمَلَ صاحِبُ السَّهمِ عَلى ما عَلَیهِ صاحِبُ السَّهمَینِ، ولا صاحِبُ السَّهمَینِ عَلى ما عَلَیهِ صاحِبُ الثَّلاثَةِ، ولا صاحِبُ الثَّلاثَةِ عَلى ما عَلَیهِ صاحِبُ الأَربَعَةِ، ولا صاحِبُ الأَربَعَةِ عَلى ما عَلَیهِ صاحِبُ الخَمسَةِ، ولا صاحِبُ الخَمسَةِ عَلى ما عَلَیهِ صاحِبُ السِّتَّةِ، ولا صاحِبُ السِّتَّةِ عَلى ما عَلَیهِ صاحِبُ السَّبعَةِ. وسَأَضرِبُ لَکَ مَثَلاً:
إنَّ رَجُلاً کانَ لَهُ جارٌ وکانَ نَصرانِیّاً فَدَعاهُ إلَى الإِسلامِ وزَیَّنَهُ لَهُ فَأَجابَهُ، فَأَتاهُ سُحَیرا(7) فَقَرَعَ عَلَیهِ البابَ فَقالَ لَهُ: مَن هذا؟ قالَ: أنَا فُلانٌ، قالَ: وما حاجَتُکَ؟ فَقالَ: تَوَضَّأ وَالبَس ثَوبَیکَ ومُرَّ بِنا إلَى الصَّلاةِ، قالَ: فَتَوَضَّأَ ولَبِسَ ثَوبَیهِ وخَرَجَ مَعَهُ، قالَ: فَصَلَّیا ما شاءَ اللّهُ ثُمَّ صَلَّیَا الفَجرَ ثُمَّ مَکَثا حَتّى أصبَحا، فَقامَ الَّذی کانَ نَصرانِیّا یُریدُ مَنزِلَهُ، فَقالَ لَهُ الرَّجُلُ: أینَ تَذهَبُ؟ النَّهارُ قَصیرٌ وَالَّذی بَینَکَ وبَینَ الظُّهرِ قَلیلٌ؟ قالَ: فَجَلَسَ مَعَهُ إلى أن صَلَّى الظُّهرَ، ثُمَّ قالَ: وما بَینَ الظُّهرِ وَالعَصرِ قَلیلٌ فَاحتَبَسَهُ حَتّى صَلَّى العَصرَ، قالَ: ثُمَّ قامَ وأرادَ أن یَنصَرِفَ إلى مَنزِلِهِ فَقالَ لَهُ: إنَّ هذا آخِرُ النَّهارِ وأقَلُّ مِن أوَّلِهِ فَاحتَبَسَهُ حَتّى صَلَّى المَغرِبَ، ثُمَّ أرادَ أن یَنصَرِفَ إلى مَنزِلِهِ فَقالَ لَهُ: إنَّما بَقِیَت صَلاةٌ واحِدَةٌ قالَ: فَمَکَثَ حَتّى صَلَّى العِشاءَ الآخِرَةَ ثُمَّ تَفَرَّقا.
فَلَمّا کانَ سُحَیرا غَدا عَلَیهِ فَضَرَبَ عَلَیهِ البابَ فَقالَ: مَن هذا؟ قالَ: أنَا فُلانٌ، قالَ: وما حاجَتُکَ؟ قالَ: تَوَضَّأ وَالبَس ثَوبَیکَ وَاخرُج بِنا فَصَلِّ، قالَ: اُطلُب لِهذَا الدّینِ مَن هُوَ أفرَغُ مِنّی وأنَا إنسانٌ مِسکینٌ وعَلَیَّ عِیالٌ!
فَقالَ أبو عَبدِ اللّهِ علیه السلام: أدخَلَهُ فی شَیءٍ أخرَجَهُ مِنهُ- أو قالَ: أدخَلَهُ مِن مِثلِ ذِه وأخرَجَهُ مِن مِثلِ هذا-.(8)
1) المرقاة: الدرجة (لسان العرب: ج 14 ص 332 «رقا»).
2) الکافی: ج 2 ص 45 ح 2، الخصال: ص 447 ح 48 بزیادة «وکان المقداد فی الثامنة وأبوذرّ فی التاسعة وسلمان فی العاشرة» فی آخره و ح 49 نحوه، بحارالأنوار: ج 22 ص 351 ح 75.
3) الخصال: ص 354 ح 35، مشکاة الأنوار: ص 164 ح 428، بحارالأنوار: ج 69 ص 169 ح 11.
4) مکان قرب الکوفة، کان منزل ملوک المناذرة (اُنظر: معجم البلدان: ج 2 ص 328).
5) قال العلّامة المجلسی رحمه الله: «مُعتِمّینَ» الظاهر أنّه بالعین المهمَلة على بناء الإفعال أو التفعیل. فی القاموس: العَتَمَة: ثُلث اللیل الأوّل بعد غیبوبة الشفق، أو وقت صلاة العشاء الآخرة، وأعتَمَ وعتم: سار فیها… انتهى. أی رجعنا داخلین فی وقت العتمة. وفی أکثر النسخ بالغین المعجمة؛ من الغمّ (مرآة العقول: ج 7 ص 274).
6) أی بحال سوء من الغمّ (الوافی: ج 3 ص 29).
7) وهو تصغیر السحر؛ وهو سدس آخر اللیل أو ساعة آخر اللیل. وقیل: قبیل الصبح (مرآة العقول: ج 7 ص 276).
8) الکافی: ج 2 ص 43 ح 2، بحار الأنوار: ج 69 ص 161 ح 2 وراجع: المیزان فی تفسیر القرآن: ج 1 ص 301.