الکتاب
«وَ یُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْکِینًا وَ یَتِیمًا وَ أَسِیرًا- إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنکُمْ جَزَآءً وَ لَا شُکُورًا».(1)
«وَ یُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».(2)
الحدیث
582. الکشّاف عن ابن عبّاس ـ فی بَیانِ سَبَبِ نُزول سورَةِ الإِنسانِ ـ :
إنَّ الحَسَنَ وَالحُسَینَ مَرِضا، فَعادَهُما رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله فی ناسٍ مَعَهُ، فَقالوا: یا أبَا الحَسَنِ، لَو نَذَرتَ عَلى وَلَدِکَ. فَنَذَرَ عَلِیٌّ وفاطِمَةُ وفِضَّةُ ـ جارِیَةٌ لَهُما ـ إن بَرِئا مِمّا بِهِما أن یَصوموا ثَلاثَةَ أیّامٍ، فَشُفِیا وما مَعَهُم شَیءٌ، فَاستَقرَضَ عَلِیٌّ مِن شَمعونَ الخَیبَرِیِّ الیَهودِیِّ ثَلاثَ أصوُعٍ مِن شَعیرٍ، فَطَحَنَت فاطِمَةُ صاعا وَاختَبَزَت خَمسَةَ أقراصٍ عَلى عَدَدِهِم، فَوَضَعوها بَینَ أیدیهِم لِیُفطِروا، فَوَقَفَ عَلَیهِم سائِلٌ فَقالَ: السَّلامُ عَلَیکُم أهلَ بَیتِ مُحَمَّدٍ، مِسکینٌ مِن مَساکینِ المُسلِمینَ، أطعِمونی أطعَمَکُمُ اللّهُ مِن مَوائِدِ الجَنَّةِ، فَآثَروهُ، وباتوا لَم یَذوقوا إلَا الماءَ، وأصبَحوا صِیاما. فَلَمّا أمسَوا ووَضَعُوا الطَّعامَ بَینَ أیدیهِم وَقَفَ عَلَیهِم یَتیمٌ، فَآثَروهُ. ووَقَفَ عَلَیهِم أسیرٌ فِی الثّالِثَةِ، فَفَعَلوا مِثلَ ذلِکَ.
فَلَمّا أصبَحوا أخَذَ عَلِیٌّ علیه السلام بِیَدِ الحَسَنِ وَالحُسَینِ وأقبَلوا إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله علیه و آله، فَلَمّا أبصَرَهُم وهُم یَرتَعِشونَ کَالفِراخِ مِن شِدَّةِ الجوعِ قالَ: ما أشَدَّ ما یَسوؤُنی ما أرى بِکُم! وقامَ فَانطَلَقَ مَعَهُم فَرَأى فاطِمَةَ فی مِحرابِها قَدِ التَصَقَ ظَهرُها بِبَطنِها وغارَت عَیناها، فَساءَهُ ذلِکَ، فَنَزَلَ جَبرَئیلُ وقالَ: خُذها یا مُحَمَّدُ هَنَّأَکَ اللّهُ فی أهلِ بَیتِکَ، فَأَقرَأَهُ السّورَةَ(3)(4)
583. الإمام الصادق علیه السلام ـ فی بَیانِ سَبَبِ نُزولِ قَولِهِ تَعالى:«وَ یُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْکِینًا وَ یَتِیمًا وَ أَسِیرًا… » ـ:
کانَ عِندَ فاطِمَةَ علیهاالسلام شَعیرٌ فَجَعَلوهُ عَصیدَةً، فَلَمّا أنضَجوها ووَضَعوها بَینَ أیدیهِم، جاءَ مِسکینٌ، فَقالَ المِسکینُ: رَحِمَکُمُ اللّهُ، أطعِمونا مِمّا رَزَقَکُمُ اللّهُ، فَقامَ عَلِیٌّ علیه السلام فَأَعطاهُ ثُلُثَها. فَما لَبِثَ أن جاءَ یَتیمٌ، فَقالَ الیَتیمُ: رَحِمَکُمُ اللّهُ أطعِمونا مِمّا رَزَقَکُمُ اللّهُ، فَقامَ عَلِیٌّ علیه السلام فَأَعطاهُ ثُلُثَها الثّانی، فَما لَبِثَ أن جاءَ أسیرٌ، فَقالَ الأَسیرُ: یرحَمکُمُ اللّهُ، أطعِمونا مِمّا رَزَقَکُمُ اللّهُ، فَقامَ عَلِیٌّ علیه السلام فَأَعطاهُ الثُّلُثَ الباقِیَ وما ذاقوها، فَأَنزَلَ اللّهُ فیهِم هذِهِ الآیَةَ إلى قَولِهِ: «وَ کَانَ سَعْیُکُم مَّشْکُورًا».(5)
584. الامام باقر علیه السلام: «وَ یُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» یَقولُ: عَلى شَهوَتِهِم لِلطَّعامِ وإیثارِهِم لَهُ، «مِسْکِینًا» مِن مَساکینِ المُسلِمینَ، و «یَتِیمًا» مِن یَتامَى المُسلِمینَ، «وَ أَسِیرًا» مِن اُسارَى المُشرِکینَ، ویَقولونَ إذا أطعَموهُم: «إِنَّمَا نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنکُمْ جَزَآءً وَ لَا شُکُورًا». قالَ: وَاللّهِ ما قالوا هذا لَهُم، ولکِنَّهُم أضمَروهُ فی أنفُسِهِم فَأَخبَرَ اللّهُ بِإِضمارِهِم، یَقولونَ: لا نُریدُ جَزاءً تُکافِئونَنا بِهِ ولا شُکورا تُثنونَ عَلَینا بِهِ، ولکِنّا إنَّما أطعَمناکُم لِوَجهِ اللّهِ وطَلَبِ ثَوابِهِ.(6)
585. مجمع البیان عن ابن عباس:
ان علی بن أبی طالب علیه السلام أجر نفسه لیستقی نخلا بشیء من شعیر لیلة حتی أصبح. فلما أصبح و قبض الشعیر طحن ثلثه فجعلوا منهم شیئا لیأکلوه یقال له الحریرة(7) ، فلما تم انضاجه أتی مسکین فأخرجوا الیه الطعام، ثم عمل الثلث اللثانی، فلما تم انضاجه أتی یتیم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الثالث، فلما تم انضاجه أتی أسیر من المشرکین فسأل فأطعموه، و طووا یومهم ذلک(8)
586. شواهد التنزیل عن ابن عبّاس ـ فی قَولِ اللّهِ: «وَ یُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»- :
نَزَلَت فی عَلِیٍّ وفاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَینِ علیهم السلام.(9)
587. الأمالی للطوسی عن أبی هریرة:
جاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِیِّ صلى الله علیه و آله فَشَکا إلَیهِ الجوعَ، فَبَعَثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله إلى بُیوتِ أزواجِهِ، فَقُلنَ: ما عِندَنا إلَا الماءُ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله: مَن لِهذَا الرَّجُلِ اللَّیلَةَ؟ فَقالَ عَلِیُّ بنُ أبی طالِبٍ علیه السلام: أنَا لَهُ یا رَسولَ اللّهِ. وأتى فاطِمَةَ علیهاالسلام فَقالَ: ما عِندَکِ یَابنَةَ رَسولِ اللّهِ؟ فَقالَت: ما عندَنا إلّا قوتُ الصِّبیَةِ لکِنّا نُؤثِرُ ضَیفَنا، فَقالَ عَلِیٌّ علیه السلام: یَابنَةَ مُحَمَّدٍ، نَوِّمِی الصِّبیَةَ وأطفِئِی المِصباحَ، فَلَمّا أصبَحَ عَلِیٌّ علیه السلام غَدا عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله علیه و آله فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ، فَلَم یَبرَح حَتّى أنزَلَ اللّهُ عز و جل: «وَ یُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».(10)
588. الإمام الباقر علیه السلام:
إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله علیه و آله جالِسٌ ذاتَ یَومٍ وأصحابُهُ جُلوسٌ حَولَهُ، فَجاءَ عَلِیٌّ علیه السلام وعَلَیهِ سَمَلُ(11) ثَوبٍ مُنخَرِقٍ عَن بَعضِ جَسَدِهِ، فَجَلَسَ قَریبا مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله علیه و آله، فَنَظَرَ إلَیهِ ساعَةً ثُمَّ قَرَأَ: «وَ یُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ کَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله لِعَلِیٍّ علیه السلام: أما إنَّکَ رَأسُ الَّذینَ نَزَلَت فیهِم هذِهِ الآیَةُ وسَیِّدُهُم وإمامُهُم.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله لِعَلِیٍّ: أینَ حُلَّتُکَ الَّتی کَسَوتُکَها یا عَلِیُّ؟ فَقالَ: یا رَسولَ اللّهِ، إنَّ بَعضَ أصحابِکَ أتانی یَشکو عُریَهُ وعُریَ أهلِ بَیتِهِ، فَرَحِمتُهُ وآثَرتُهُ بِها عَلى نَفسی، وعَرَفتُ أنَّ اللّهَ سَیَکسونی خَیرا مِنها، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله: صَدَقتَ، أما إنَّ جَبرائیلَ قَد أتانی یُحَدِّثُنی أنَّ اللّهَ (قَد) اتَّخَذَ لَکَ مَکانَها فِی الجَنَّةِ حُلَّةً خَضراءَ مِن إستَبرَقٍ، وصِنفَتُها(12) مِن یاقوتٍ وزَبَرجَدٍ، فَنِعمَ الجَوازُ جَوازُ رَبِّکَ بِسَخاوَةِ نَفسِکَ، وصَبرِکَ عَلى سَمَلَتِکَ هذِهِ المُنخَرِقَةِ، فَأَبشِر یا عَلِیُّ.
فَانصَرَفَ عَلِیٌّ علیه السلام فَرِحا مُستَبشِرا بِما أخبَرَهُ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله علیه و آله.(13)
589. تفسیر الثعلبی:
رَأَیتُ فی الکُتُبِ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله علیه و آله لَمّا أرادَ الهِجرَةَ خَلَّفَ عَلِیَّ بنَ أبی طالِبٍ علیه السلام بِمَکَّةَ لِقَضاءِ دُیونِهِ ورَدِّ الوَدائِعِ الَّتی کانَت عِندَهُ، فَأمَرَهُ لَیلَةَ خَرَجَ إلَى الغارِـ وقَد أحاطَ المُشرِکونَ بِالدّارِـ أن یَنامَ عَلى فِراشِهِ صلى الله علیه و آله، وقالَ لَهُ: اِتَّشِح بِبُردِیَ الحَضرَمِیِّ الأَخضَرِ ونَم عَلى فِراشی، فَإِنَّهُ لا یَخلُصُ إلَیکَ مِنهُم مَکروهٌ إن شاءَ اللّهُ فَفَعَلَ ذلِکَ عَلِیٌّ، فَأَوحَى اللّهُ تَعالى إلى جَبرَئیلَ ومیکائیلَ علیهماالسلام : إنّی قَد آخَیتُ بَینَکُما، وجَعَلتُ عُمُرَ أحَدِکُما أطوَلَ مِن عُمُرِ الآخَرِ، فَأَیُّکُما یُؤثِرُ صاحِبَهُ بِالبَقاءِ وَالحَیاةِ؟ فَاختارَ کِلاهُمَا الحَیاةَ، فَأَوحَى اللّهُ تَعالى إلَیهِما: أفَلا کُنتُما مِثلَ عَلِیِّ بنِ أبی طالِبٍ؟! آخَیتُ بَینَهُ وبَینَ مُحَمَّدٍ، فَباتَ عَلى فِراشِهِ یَفدیهِ نَفسَهُ ویُؤثِرُهُ بِالحَیاةِ؟! اِهبِطا إلَى الأَرضِ فَاحفَظاهُ مِن عَدُوِّهِ. فَنَزَلا، فَکانَ جَبرَئیلُ عِندَ رَأسِ عَلِیٍّ، ومیکائیلُ عِندَ رِجلَیهِ، وجَبرَئیلُ یُنادی: بَخٍ بَخٍ! مَن مِثلُکَ یَا بنَ أبی طالِبٍ فَنادى(14) اللّهُ عز و جل المَلائِکَةَ؟! وَأنزَلَ اللّهُ عز و جل عَلى رَسولِهِ صلى الله علیه و آله وهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى المَدینَةِ ـ فی شَأنِ عَلِیٍّ ـ: «وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»(15)(16)
1) الإنسان: 8 و 9.
2) الحشر: 9.
3) یعنی سورة الإنسان.
4) الکشّاف: ج 4 ص 169، البدایة والنهایة: ج 5 ص 329 نحوه؛ سعد السعود: ص 141، کشف الغمّة: ج 1 ص 302، الخرائج والجرائح: ج 2 ص 539 ح 15 والثلاثة الأخیرة نحوه، بحار الأنوار: ج 35 ص 243 ح 4.
5) تفسیر القمّی: ج 2 ص 398، مجمع البیان: ج 10 ص 612 نحوه وکلاهما عن عبد اللّه بن میمون القدّاح، بحار الأنوار: ج 35 ص 243 ح 3.
6) الأمالی للصدوق: ص 333 ح 390 عن سلمة بن خالد عن الإمام الصادق علیه السلام، العمدة: ص 348 ذیل ح 668 من دون إسناد إلى أحد من أهل البیت علیهم السلام نحوه، بحار الأنوار: ج 35 ص 240 ح 1؛ تفسیر الثعلبی: ج 10 ص 102 من دون إسناد إلى أحد من أهل البیت علیهم السلام نحوه.
7) الحریرة: الحساء من الدسم و الدقیق (لسان العرب: ج4 ص 184«حرر»).
8) مجمع البیان: ج 10 ص 612، کشف الغمّة: ج 1 ص 169 نحوه، بحار الأنوار: ج 35 ص 244 ح 5؛ أسباب النزول: ص 470 ح 844، مطالب السؤول: ج 1 ص 146 وکلاهما نحوه، شواهد التنزیل: ج 2 ص 405 ح 1056.
9) شواهد التنزیل: ج 2 ص 332 ح 973؛ إرشاد القلوب: ص 136 نحوه.
10) الأمالی للطوسی: ص 185 ح 309، تأویل الآیات الظاهرة: ج 2 ص 678 ح 4، المناقب لابن شهرآشوب: ج 2 ص 74 کلاهما نحوه، بحار الأنوار: ج 36 ص 59 ح 1؛ شواهد التنزیل: ج 2 ص 331 ح 972 نحوه.
11) السمل: الخَلَق من الثیاب (النهایة: ج 2 ص 403 «سمل»).
12) الصِّنفَة: الطرف والزاویة من الثوب وغیره (لسان العرب: ج 9 ص 198 «صنف»).
13) تأویل الآیات الظاهرة: ج 2 ص 680 ص 7 عن جابر بن یزید، بحار الأنوار: ج 36 ص 60 ح 4.
14) کذا، والظاهر أنّها تصحیف من النسّاخ أو خطأ مطبعى، وفی سائر المصادر: «یباهی».
15) البقرة: 207.
16) تفسیر الثعلبی: ج 2 ص 125 ح 103، اُسد الغابة: ج 4 ص 98 الرقم 3789، شواهد التنزیل: ج 1 ص 123 ح 133 عن أبی سعید الخدری وکلاهما نحوه؛ العمدة: ص 239 ح 367، تنبیه الخواطر: ج 1 ص 173، تأویل الآیات الظاهرة: ج 1 ص 89 ح 76 والثلاثة الأخیرة نحوه، بحار الأنوار: ج 19 ص 86 ح 37.